الجمعة، ٢٠ مارس ٢٠١٥

كيف تعقد اجتماعا دون أن تضيّع الوقت

اجتماع مُدار بطريقة سيئة يمكن أن يضيع الوقت والجهد والنقود، دون أن يكون مفيدًا لأحد. ولكنه قابل للتجنب: هنا ما يجب وما لا يجب أن تفعله عندما تجتمع بمجموعة في العمل، سواء كنت تقود هذا الاجتماع أم لا.

قبل الاجتماع

هناك ثلاثة أسئلة يجب طرحها قبل أن يبدأ اجتماع العمل: متى، ومن، ولماذا. السؤال الرابع، “أين”، بالطبع في مكتبك.

لماذا

لماذا تعقد الاجتماع؟ إن لم تسأل هذا السؤال، لن تنجز شيئا في الاجتماع نفسه. وكما يشير العديد من المعلقين، الخطوة الأولى هي أن تضع برنامجًا للاجتماع.

مؤسس الفريق مايكل تشو يُنبه أن الاجتماع لا يجب أن يكون مكانًا للعصف الذهني، تحتاج لإخبار المشاركين أن يفعلوا ذلك مسبقًا، وأن يحضروا الاجتماع بقائمة واضحة للمناقشة. وبالمثل، فإن منظم الاجتماع يجب أن يرسل المطلوب قراءته على الأقل قبلها بثلاثة أيام، يقول المدوّن سكوت بيركون: واجعلها مخصرة بما يكفي لأن يقرأها الجميع فعلا قبل أن يحضروا.

من

في أحيان كثيرة، لا يتطلب الاجتماع مساهمة شخص بعينه، ولكن يُطلب منه الحضور فقط ليكون في الصورة. وهؤلاء أرسل لهم ملخص الاجتماع وتوقف عن تضييع وقت الجميع.

تُحدد تيريسا تايلور، مديرة إدارة العمليات، ثلاثة أسئلة في بداية الاجتماع، يجب في الحقيقة أن تُسأل قبل إصدار الدعوات:

هل نعرف جميعًا لم نحن هنا؟ هل نصنع قرارات؟ هل ستسألونني شيئًا في النهاية؟

إذا كنت أنت الشخص الذي يعقد الاجتماع، تخيل أي واحد تدعوه وهو يسألك هذه الأسئلة. وإجاباتك سوف تكشف ما إذا كنت تحتاجهم في الاجتماع أو لا. وتذكر، لا تدعُهم فقط ليبقوا في الصورة.

إذا كان لديك دعوة لاجتماع، اسأل هذه الأسئلة للشخص الذي يدعوك. ومرة أخرى، الإجابة ستجعلك تعرف ما إذا كان يجب أن تشارك أو لا. لا تخف من رفض حضور اجتماع إن كنت لا تعتقد أنه سيكون مفيدًا أكثر من العمل الذي كان يجب عليك إنجازه.

متى

لديك الـ من، ولديك الـ لماذا، ما بقي الآن هو اختيار وقت يناسب الجميع. التنسيق بين عدة أفراد أمر صعب، ولكنه ليس مُستحيلًا. تطبيق جدولة المواعيد When Is Good حلل 100.000 استجابة لـ 34.000 دعوة لأحداث مختلفة ووجد أن الثالثة مساء يوم الثلاثاء هو أكثر وقت مناسب للاجتماع عند معظم الناس. بالطبع ليس عليك أن تلتزم بهذا و يمكنك اسخدام أي برنامج آخر مثل Time To Meet لاختيار وقت مناسب.

وبعيدًا عن موعد البدء، فالوقت الكلي للاجتماع مهم أيضًا. سيعطيك الناس من وقتهم بناء على ما تطلب. عادة ما نفكر بقوالب من ساعة أو نصف ساعة، ولكن لا يوجد سبب منطقي لهذا. في الحقيقة، يقول خبير التسويق كريس بروجان، إن الأفضل أن تجعل الاجتماع مختصرًا.

اكتب جدولا مختصرًا : أحد رؤسائي السابقين، دان كارني، اعتاد أن يخبرني بأن لا أجعل مدة الاجتماعات تزيد عن 10 دقائق. وكمدير للمشروعات، كان يجعلني أقوم بكل المهام خارج الاجتماع لأقوم بمحادثات فردية مع المساهمين في الاجتماع المُنتظر. وهذا فعل العجائب، لثلاثة أسباب:

  • عرف الناس أن الاجتماع سيكون مختصرًا لذا حضروا في الموعد.
  • بذل الناس قصارى جهدهم ليكونوا في الجانب “الجيد” من المستجدات في هذه الاجتماعات.
  • عرف الناس أنني قمت بعملي لذا أومأوا برؤسهم فقط في الوقت الصحيح. لأن كونك متأخرا، أو غير مطّلع أو أي حالة سلبية أخرى، يكون ظاهرًا في اجتماع من 10 دقائق.

هناك خدعة أخرى لجدولة المواعيد يقوم بها رجل الأعمال لين وو ليتأكد أنها قصيرة بقدر الإمكان وأن الجميع منتبه: اعقد اجتماعات واقفة في نهاية اليوم.

سأقوم بعمل هذا الاجتماع في الخامسة مساء، عندما يكون الجميع متعبا ومستعدًا للعودة إلى المنزل، ولا أسمح لأي شخص بالجلوس. لم أعقد اجتماعا أبدًا يزيد عن الساعة. معظم الاجتماعات استمر من 20 إلى 30 دقيقة. وجعلت الجميع منتبها وفاعلا.

أثناء الاجتماع

بمجرد أن تنتهي الاستعدادات للاجتماع، تحتاج للتركيز على الاجتماع نفسه.

عين مسؤولًا/مقررًا

يمكن أن تخرج الاجتماعات عن المسار بسهولة، وقبل أن تعرف، ودون أن تنتبه، تكون قد أضعت وقتًا و جهدًا كبيرًا في مناقشة أشياء لم تكن على الجدول. يقول مرلين مان: إن كل اجتماع يحتاج إلى مسؤول مُعين يديره بمسؤولية.

الشيء المهم أن هذا الشخص لا يشترط أن يكون مُنظم الاجتماع. في الغالب مُنظم الاجتماع هو الشخص الذي توجه إليه الأسئلة، والذي يكون غارقًا فعليا في المناقشة، لذا فإن حفظ الأمور في مسارها مسؤوليات كثيرة. بدلًا من ذلك، اختر شخصًا يراه جميع من في الغرفة مناسبًا، واجعله يتأكد أن الاجتماع لا يخرح عن المسار.

تأكد من حضور الناس في الموعد

ومع كل هذا التنظيم، تحتاج إلى أن تتأكد أن الجميع سيصل في الوقت المحدد. يقترح موقع “Time Management Ninja ” خدعة جديدة لذلك: ضع عقابا لآخر من يصل للاجتماع:

واحدة من الشركات كان لديها قاعدة: آخر من يصل يكون مسؤولًا عن تسجيل ملاحظات الاجتماع، وفي شركة أخرى ينظف الحجرة عند انتهاء الاجتماع. وعلى الجانب الآخر، كافئ النشيطين بالمشروبات ربما، أو أن يكونوا مسؤولين عن المشاريع الجديدة.

ويمكن لمسؤول الاجتماع كونه معروفًا بالعدل والمسؤولية، أن يختار هو هذه العواقب.

اجعل الجميع في نفس الصورة

بمجرد حضور الجميع، من المفيد معرفة نسبة فهمهم للموضوع محل النقاش. يمكن للمتحدث أن يضع نقاطًا عندما يكون الجو مهيأ، ولقياس ذلك دون إحراج أحد، تحُث شركة Fast على عمل جدول رباعي يملأه جميع من في الغرفة سرًا.

استخدم سبورة أو لوح كتابة لرسم جدول رباعي من هذه الإختيارات (عاصف، هادئ، صافٍ، غائم). وقبل أن يبدأ الاجتماع، اجعل كل مشارك يضع علامة على المربع الذي يعكس درجة فهمه وتوقعاته للموضوع. غادر الغرفة أو أعط ظهرك للرسم خلال هذه العملية. إذا كثرت العلامات في خانة عاصف أو غائم، ستحتاج لأن تضيف وقتًا للأسئلة، والشرح، وربما بعض الكلام التشجيعي. ولكن إذا كثرت العلامات في خانة هادئ أو صافٍ، فابدأ على الفور بمشاريع جديدة.

ربما لن يكون عمليًا استخدام لوح كتابة وأن تطلب من الجميع مغادرة الحجرة، وفي هذه الحالة، مرر أوراقًا بهذه المربعات واطلب أن يضع الجميع علامة على واحد من الخانات، وأن يعيدها إلى مسؤول أو منظم الاجتماع.

وقت إدارة الأدوات

يُحضر الجميع أجهزة اللاب توب والتابلت والهاتف إلى الاجتماع. ولا خلاف على أن هذه مصادر إلهاء. في هذه المرحلة، لايمكن المساعدة كثيرًا في هذا. ولكن ما يمكنك التحكم فيه هو كيف تسمح لهم باستخدام أدواتهم هذه أثناء الاجتماع.

يقترح كارن كليفلاند من موقع Manners Are Sexy أن تكون طاولة الاجتماع خالية، حيث يلتزم الجميع بأن يخبئوا أجهزتهم، وأن لا يكون هناك أي شيء على سطح الطاولة. ولكن هذا لن يساعد احتياجك الفطري أن تأخذ راحة وتدع عقلك يتجول في أمور أخرى، غالبًا ما تكون إشعارات هاتفك. ولحل هذا، ينصح كريستن بيرسون أستاذ الأعمال أن تضع على جدول الاجتماع عدة استراحات صغيرة حيث يسمح للحضور أن يتفحصوا أجهزتهم، ولكن أن تبقى بعيدة عن الطاولة بمجرد أن تنتهي الاستراحة.

تخلص من كلمة “يُعجبني”

تقول BusinessWeek إن ماريسا ماير، المدير التنفيذي لشركة ياهو تعتقد أن البيانات الواضحة في الاجتماع أكثر أهمية من الاختيارات الشخصية، لأنها تلغي فكرة أن يكون القرار مُتخذًا بسبب التحيز أو المحاباة.

لا تحب ماير استخدام كلمة “يعجبني” في اجتماعات التصميم، مثل “يعجبني التصميم” فهي تشجع بدلا من ذلك تعليقات مثل “تشير التجربة على الموقع أن هذا التصميم أفضل بنسبة 10%”.

اكتب الملاحظات ومحضر الاجتماع

تأكد من أن هناك أوراقًا وأقلامًا وشجع الآخرين على تسجيل ملاحظات. فهي لا توضح الأفكار فقط ولكنها أيضًا مفيدة في المناقشات بعد الاجتماع.

ستحتاج في الاجتماع أيضًا إلى شخص يكتب (محضر الاجتماع)، وهي العقوبة المُقترحة لآخر من يصل. برنامج Minutes.io هو تطبيق بسيط جدًا لعمل هذه المحاضر ومن ثم يمكنك مشاركتها بسهولة أيضًا. وبالطبع هذا الشخص سيكون مُعفىً من قاعدة عدم استخدام الأجهزة. ولكن لا تتجاهل هذه المحاضر، فهي تساعد في الحصول على تسجيل لما تمت مناقشته ونبذه مختصرة عنه يمكن أن تُرسل بالبريد الإلكتروني إلى الأشخاص الذين يجب أن يبقوا في الصورة، ولكن لا يحتاجون إلى حضور الاجتماع.

بعد الاجتماع

بمجرد أن ينتهي الاجتماع، من المهم معرفة ما استفاده الجميع، وما يجب أن تكون عليه الخطة القادمة.

ما يجب أن تفعله المجموعة

في الضروريات السبعة لحفظ الاجتماعات في مسارها، لروبرت س. بوزن، الأستاذ بكلية إدارة الأعمال جامعة هارفرد، يقول أن هناك ثلاثة أسئلة يجب أن تُسأل في نهاية كل اجتماع:

  1. ما الخطوات القادمة التي نراها؟
  2. من يجب أن يكون مسؤولا عنهم؟
  3. ماذا هو الإطار الزمني؟

إن لم تكن تسجل ملاحظات في الاجتماع، فيجب أن تُسجل و ترسل إجابات كل مُشارك لهذه الأسئلة الثلاثة. هذا لا يجعل الجميع على وعي بها فقط، ولكنه أيضًا يمنح المسؤولية بحيث لا يستطيع أي شخص قول إنه لم يكن يعرف أو لم يتذكر ما حدث.

و ينصح موقع 99U أن تقوم بمراجعة نهائية من خلال “ملخص نقاط العمل”، بمجرد أن تنتهي من ذلك.

في نهاية الاجتماع، قم بجولة وراجع خطوات العمل التي التقطها كل شخص. يأخذ هذا الإجراء 30 ثانية لكل فرد، وغالبًا ما يكشف عن بعض الخطوات التي كانت منسية. هذا الإجراء أيضًا يُحدث شعورًا بالمسؤولية. إذا أعلنت أنت أعمالك أمام زملائك، فأنت غالبًا ما ستقوم بها.

ما يجب أن تفعله أنت

وبعيدًا عن الاستفادة من الاجتماع كمجموعة، من المهم أن تُدرج استفادتك أنت لنمو شخصيتك. وأن تُحدد وقتًا لمراجعة ملاحظاتك بشكل دوري، ولكن الكاتبة روبن سكوت تنشر درسًا تعلمته من مدير تنفيذي غير معروف، وكيف استفاد من كل اجتماع. وكان ذلك يتطلب 30 ثانية فقط بعد الاجتماع:

فورًا بعد كل اجتماع أو محاضرة، أو أي تجربة مهمة، خذ 30 ثانية – لا أقل ولا أكثر – لتكتب النقاط الأكثر أهمية. كما قال جده، إذا كنت تفعل هذا دائمًا، وحتى إن كنت تفعل هذا فقط، دون أي مراجعات إضافية، ستكون على مايرام.

الثلاثاء، ١٧ مارس ٢٠١٥

.متى نصر الله؟ (1-3)

حسام جابر

سأل أحد الجنود نابليون بونابرت (1769- 1821م) قبيل اندلاع معركة (واترلو) Waterloo 1815م هل الله معنا نحن الكاثوليك، أم مع الإنجليز البروتستانت؟! فأجابه قائلًا: اللهُ مع صاحب المدفع الأكبر!

على الرغم من أن جواب القائد الفرنسي يعبر بشكل كبير عن وجهة النظر المادية التي لا تعرف إلا الأسباب دون مسببها. غير أنها تعبر أيضًا عن الشطر الأول من الحقيقة الإسلامية التي تقوم على الأخذ بالأسباب مع التوكل على رب الأسباب. فإذا كانت النظرة المادية البحتة بالغت وأفرطت في الأسباب حتى عدّتها وحدها الفاعل الوحيد في هذا الكون ورفضت ما عداها، فإن النظرة الإسلامية لدى الكثيرين منا قد أصابتها – أيضًا- الإفراط في الشطر الثاني من الحقيقة الإسلامية وهي التوكل على رب الأسباب، تاركة الأسباب وعمارة الدنيا إلى غيرها من الأمم!

ورغم أن الشريعة الإسلامية كانت (واضحة) جدًا في هذه القضية بضرورة التكامل بين الأسباب والتوكل على الله والثقة في موعوده حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يسأل عن ناقته قائلًا: أعقِلُها وأتوكَّلُ أو أُطلِقُها وأتوكَّلُ؟! فقال: “اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” [رواه الترمذي بإسناد حسن- رقم: 2517].

وتحفل كتب السيرة النبوية المشرفة بتطبيق هذه الحقيقة الإسلامية الكبرى. فمثلًا: في حادثة الإسراء والمعراج أُتيَ للنبي صلى الله عليه وسلم بـ (البراق) ليحمله ﴿لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].

وبعد هذه الحادثة بثلاث سنوات كانت الهجرة النبوية إلى المدينة والتي على أثرها قام للإسلام (دولة) وصار لهم (مسجد). ورغم المخاطر الشديدة التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة، لم يرسل الله لنبيه (البراق) ليحمله إلى المدينة كما حمله من قبل إلى الشام! ولكنه خرج على ظهر ناقة أخذها بالثمن من صاحبه الصديق! قائلًا لصاحبه في الغار بلسان الواثق، لما قال له: يا رسولَ الله، لو نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميه لرآنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا” [رواه مسلم: 2381].

وفي هذا (إرشاد) و(توجيه) للأمة بطريق النهضة وسُبل العزة. فقد شاءت إرادة الله تعالى أن تقوم الدولة الإسلامية، الحاضنة للدين الخاتم، على أسباب أرضية باقية، لا على معجزات وقتية زائلة، حتى يكون الأخذ بالأسباب في بناء الدولة ونهضتها وإحيائها عن طريق هذه السُّنة في أي زمان أو أي مكان!

قال الشوكاني (1173هـ ـ1250هـ، 1759-1834م): “والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعًا لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر – صلى الله عليه وسلم- بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك”.

وقد سأل هرقل الروم أبا سفيان بن حرب – قبل إسلامه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: فكيف كان الحرب بينكم؟ قال: سِجَالًا يُدال علينا ونُدَال عليه. قال: كذلك الرسل تُبْتَلى، ثم تكون لها العاقبة.

ومن الملاحظات التاريخية التي أشار إليها د.عبد الحليم عويس (1362-1434ه = 1943-2012م) أن القرن الذي شاهد سقوط غرناطة آخر مصارعنا في الأندلس (898هـ = 1492م) كان نفسه الذي شاهد سنة (857هـ = 1453م) الفتح الإسلامي الخالد للقسطنطينية، ذلك الفتح الذي كان من آثاره عند الإنصاف التاريخي حماية المسلمين لفترة تزيد على خمسة قرون.

فهكذا الإسلام يشرق من القسطنطينية ويغرب من الأندلس! وما فُتحت القسطنطينية إلا بأسباب وصلة برب الأسباب، وما سقطت الأندلس إلا بتركهما، فحقت عليها كلمة الله!

في مستدرك الحاكم عن أبي موسى رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللهَ, فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا, وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ, وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهًا مَالَهُ, وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾ [النساء: 5]”[المستدرك –رقم: 3181].

فهذه النماذج الثلاثة المذكورة في الحديث تدور حول (التفريط) في الأسباب ثم بعد (الاكتواء) بنار تركها، يدعون الله تعالى! فيخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يُستجاب لهم! لأن الأول هو الذي يعذب نفسه بإمساك امرأته سيئة الخلق وهو في سعة من فراقها، والثاني مفرط في حق نفسه ومقصر بعدم الإشهاد لحفظ ماله، والأخير هو المضيع لماله بإتيانه لأحد السفهاء مع علمه بحاله فلا عذر له.
وما أشبه حالنا بحال الطالب الذي لا يستذكر دروسه ثم يدعو الله بالنجاح في الامتحانات! وإذا ما وجد نتيجة (عمله) إذ به يتساءل مستنكرًا لماذا دعوت الله بالنجاح فلم يكتبه لي؟!

لماذا لا نُحكم السفينة إذا كانت الأمواج عاتية ثم نرجو من الله السلامة؟!

لماذا نتساءل عن عودة الخلافة الإسلامية ولا نتساءل عن كيفية سقوطها؟! وعن كيفية بنائها؟!

لماذا نبكي على الأطفال في سوريا ونتساءل لماذا لا ينصر الله أهل سوريا على عدوهم؟ ولا نتشاغل بالبحث عن كيفية تمكن العلويون والبعثيون من سوريا؟

لماذا ننتحب على فلسطين وأقصاها وشعبها؟ ونصرخ لم لا ينصرهم الله على عدونا وعدوهم؟ ولا نتساءل كيف احتل أعداؤنا أرضنا وديارنا ودنسوا مقدساتنا وقتلوا إخواننا؟! وكيف نتعامل مع عدونا وعدوهم؟ وكيف نتعامل معهم شعبًا وقضية ومقاومة؟!

لماذا نلعن الظلام ولا نحاول إضاءة شمعة واحدة؟

لماذا نشكو الجراح ولا نبحث عن أسبابها ونعمل على علاجها؟

لماذا نتساءل لماذا لا ينصرنا الله ونحن لا ننصره؟!

إن أولى الخطوات الصحيحة هي أن نخطو خطوة نحو النصر أولًا، بأن نعمل لنصرة أنفسنا، ونصرة أمتنا، بأن نعمل ونُعد العدة لذلك ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60] وجاءت لفظ القوة نكرة لتشمل كل ما يُتقوى به، القوة العلمية والعملية.

إن الله تعالى تعبدنا بالعمل ولم يتعبدنا بنتيجة هذا العمل! فليس علينا إلا الجهد، كما قرر ذلك الشهيد سيد قطب (1324- 1387هـ = 1906- 1967م) عن الدعاة إلى الله – قولًا وفعلًا-: “إنهم أجراء عند الله، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا، عملوا وقبضوا الأجـر المعلوم! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير!”.

بل وهذا شأن الأنبياء أيضًا! ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ” [رواه مسلم: 374].

وبتراكم هذه الجهود مع توفيق الله تعالى يأتي النصر من الله تعالى لا محالة. وليس من المهم أن ندرك لحظة النصر ونشهدها، بل المهم أن نظل عاملين ثابتين كل بحسب جهده وعمله وعلمه.

روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال: “هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ – أي: نضجت- لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا- أي: يجنيها-. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ” [رواه البخاري: 1276].

بل ومن الصحابة من مات وهو يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد في غزوة أحد. فقد أشاع المشركون أن محمدًا قد قُتل. فتوقف بعض الصحابة عن القتال وألقى من ألقى منهم السلاح مستكينًا، بل وفكر آخرون في الاتصال بعبد الله بن أبي، رأس المنافقين، ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان.

فمر بهؤلاء أنس بن النضر، وقد ألقوا ما بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته بعد نهاية المعركة ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم.

ونادى ثابت بن الدَحْدَاح قومه فقال: يا معشر الأنصار، إن كان محمد قد قتل، فإن الله حي لا يموت، قاتلوا على دينكم، فإن الله مظفركم وناصركم. فنهض إليه نفر من الأنصار، فحمل بهم على كتيبة فرسان خالد فما زال يقاتلهم حتى قتله خالد بالرمح، وقتل أصحابه.

ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار، وهو يتَشَحَّطُ في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمدًا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ، فقاتلوا عن دينكم.

رحم الله الإمام عبد القادر الجيلاني (471 – 561هـ = 1078 – 1166م) حينما صاح بالحق قائلًا: “يا من اعتزل بزهده مع جهله: تقدم واسمع ما أقول، يا زهاد الأرض تقدموا. خربوا صوامعكم واقربوا مني، قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل، ما وقعتم بشيء، تقدموا”.متى نصر الله؟ (1-3)

تعليقات