الجمعة، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٢
الأربعاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢
الثلاثاء، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٢
الحكم في الشرع لا يدور مع الحكمة، انما يدور مع العلة وجودا وعدما، فاذا وجدت العلة وجد الحكم واذا فقدت العلة فقد الحكم، اما الحكمة فلا دخل لها بالحكم....
مثال ١: اذا فرضنا ان رجلا يشرب الخمر ولكنها لا تسكره، فهل معنا ذلك ان الله يبيح له شرب الخمر لانها لا تسكره.... بالطبع لا، لان الله حرم الخمر اسكرت ام لم تسكر.... فالحكم هوا التحريم والعلة هي الخمر والحكمه هي السكر... والحكم مرتبط بالعلة وليس بالحكمه.
مثال ٢: حكم الزنا الحرمه، و حكمته الحفاظ على الانساب و العلة هي الاعتداء على الاعراض.... فاذا كان الحمل مستبعد بسبب موانع الحمل حتى لا تختلط النساب....فهذا لا يغير من الحكم شيئ لان الحكم مرتبط بالعلة وليس بالحكمه.
مثال ٣: افطار المسافر في رمضان هو الحكم و العلة هو السفر و الحكمة هي المشقة.... لذلك ان وجد السفر وجد الحكم بغض النظر عن كون في السفر مشقة ام لا، فالحكم يدور مع العلة وليس مع الحكمة.
من كلام الشيخ كشك رحمه الله في اصول الدين
مثال ١: اذا فرضنا ان رجلا يشرب الخمر ولكنها لا تسكره، فهل معنا ذلك ان الله يبيح له شرب الخمر لانها لا تسكره.... بالطبع لا، لان الله حرم الخمر اسكرت ام لم تسكر.... فالحكم هوا التحريم والعلة هي الخمر والحكمه هي السكر... والحكم مرتبط بالعلة وليس بالحكمه.
مثال ٢: حكم الزنا الحرمه، و حكمته الحفاظ على الانساب و العلة هي الاعتداء على الاعراض.... فاذا كان الحمل مستبعد بسبب موانع الحمل حتى لا تختلط النساب....فهذا لا يغير من الحكم شيئ لان الحكم مرتبط بالعلة وليس بالحكمه.
مثال ٣: افطار المسافر في رمضان هو الحكم و العلة هو السفر و الحكمة هي المشقة.... لذلك ان وجد السفر وجد الحكم بغض النظر عن كون في السفر مشقة ام لا، فالحكم يدور مع العلة وليس مع الحكمة.
من كلام الشيخ كشك رحمه الله في اصول الدين
الأحد، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢
الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠١٢
الخميس، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
الحاله صعبه
عندما يكون مطلوب منك شراء سياره، في حين انك لا تستطيع شراء حذاء جديد بدلا من الحذاء المقطع الذي ترتديه.....
السبت، ١٥ سبتمبر ٢٠١٢
لماذا التمس لنا العذر؟
نجح صدام في حكم العراق كل هذه الفتره، لماذا لم تكن هناك هذه الصراعات والنزاعات بل وحتى التقاتل بين اطياف الشعب العراقي كالسنه والشيعة والاكراد.....
وماهي الاسباب والجذور التي تشعل وتغذي نار الفتنة والصراع الدامي بين اعراق و طوائف هذا الشعب؟
لماذا تتحارب وتتنازع القبائل الليبية؟ والتي كانت بالامس القريب جزئ لايتجزأ من نسيج جماهيرية القذافي وعائلته وقبيلته واتباعه وخدمه؟ هل كان القذافي عبقريا و قويا لهذه الدرجة كي يستطيع ان يفرض السلام والتفاهم والوئام بين اطياف شعبه طوال اربعين سنة او يزيد؟
هل يجب ان نرفع القبعة احتراملا لهؤلاء و امثالهم الكثر في بلادنا العربية؟ هل يجب ان تبكيهم شعوبهم وتتحسر على ايام القذافي و صدام؟
لماذا مرا كل هذا اللغط واتنازع والتصارع والتخوين بين اطياف المجتمع المصري؟ هذه النزاعات الجديدة على هذا المجتمع المتجانس بدرجة عالية ؟
هل كان عبد الناصر والسادات ومبارك عباقرة، ليستطيعو حكم كل هذه الاطياف
والتيارات شدية الختلاف و شديدة الاستقطاب طوال الستين عاما الماضيه بدون كل هذه التوترات والتناحرات التي نراها كل يوم بعد سقوط مبارك؟
هل الشعوب العربية لا تتقبل الحرية فعلا وعلينا قبول ذلك ونبحث لنا عن دكتاتور، سلطان، ملك او رأيس حيث لافرق بينهما عند العرب....؟ هل هذا هو الاصلح للبلاد والعباد؟
لعل هذا ما لا تخطئه عين من ينظر الى الاوضاع في بلدان الربيع العربي....
ولعل هذا ما نراه ايضا في سعي الشعب الصحراوي للاستقلال عن المملكة المغربية؟ الم تكن مبايعة الاجداد للملك امرا بديهي مسلم به من قبل؟ فما بال الاحفاد؟
وفي اليمن لا يختلف الحال كثيرا واعتقد انه مؤهل للتصاعد....بعد رحيل صالح المفاجئ بعد ثلاثين عاما قضاها على رأس الدولة مسيطرا على اوصالها محاربا وموحدا ....
هل نحن ذاهبون الاحرب اهلية في سوريا؟ هل يجب ان نشكر عائلة الاسد و نعتذر لهم كي يبقو في سدة الحكم والطغيان سنينا مديدة؟ وذلك حتى نحافظ على وحدة الشعب السوري ولا يتشرذم هذا القطر العربي العريق و ولا يتناحر ابنائه؟
اجد نفسي اكرر نفس السؤال حول قدرة هؤلاء الحكام في تهدئة كل اطياف واعراق هذه الشعوب والمحافظة على وحدة هذه الاقطار طوال هذه الفترات الطويلة....
ولكن كيف كانت البداية؟ هل واجه القذافي، صدام، او الاسد هذه الصراعات في بداية حكمه وتغلب عليها؟ هل استطاع بقوته وحكمته وحنكته ان يطفئ نيران الفتن ويوحد الصفوف....
لو كان الامر كذلك فلعلنا نتفهم ان تعود الامور الى سابق عهدها بغيابهم ولكني لم اجد ما يدل على ذلك، لا دليل ان اطياف مجتمعاتنا العربية تناحرت فيما بينها على هذا النحو قبل او اثناء حكم هؤلاء.... اذا لافضل لهم في اخماد هذه النيران .... لانها لم تكن موجودة من قبل....
اذا ماذا حدث اثناء حكم هؤلاء لينقلب الحال باختفائهم عن الساحة؟
هل هو نتاج لسياساتهم المستمرة والتي تتلخص تحت عنوان فرق تسد؟
كانو يزرعون الفتن، يظلمون طائفة و يكرمون اخرى، ينزعون الحق من صاحبه ويعطوه لغيره حسب مصالحهم ومايخدم استمراريتهم في الحكم ، وكل ذلك لشراء ولاأت وصنع تحالفات وتشويه مكونات المجتمع وتخريب بنيته فما عاد شيخ القبيلة شيخها ولا زعيم طائفة يمثلها ولا شيخ دين له كلمة بين اتباعه.... كلهم صور موضوعة من قبل الحكام كي يقهرو كل اطياف المجتمع.... مما انتج تشوهات خلقية ادت الى غياب الفكر والحكمة والخبرة .....
كل هذه الطوائف والاعراق والاقليات لم تكن يوما تتوجس، تخاف او تعارض الحكم المركزي الشمولي في ليبيا، العراق، سوريا، المغرب، اليمن او مصرولكن كنتيجه للظلم والاطهاد والترهيب والحرمان من الحقوق خلال حقبة هؤلاء الطغاة نجدهم نجد مكونات المجتمع لاتثق في بعضها البعض ولا اي حاكم خوفا من استنساخ الماضي الاليم فتجد نفسها مرة اخرى قابعة تحت بطش اي جهة فتتكرر الماساة.
ولعله رد فعل طبيعي ومنطقي وله امثلة في كل بقاع الارض مثلا في اسبانيا نجد الاختلاف العرقي واللغوي بين سكان الشمال والجنوب، الشرق والغرب، وسكان الجزر الاسبانية البعيده عن يابستها.....
ورغم هذه الاختلافات نجد هذه الاعراق منسجمة منطوية تحت مظلة العرش الاسباني والحكومة الاسبانية المركزيه...... لماذا؟ في ظني ان السبب هو تخلي السلطة المركزية عن الكثير من الصلاحيات لصالح الحكومات المحلية، يتمتع كل جزئ بنوع من الحكم الذاتي الذي يطمئن هذه الاعراق ويمكنها من ادارة مواردها المحلية والاستفادة منها و الدفاع عن مصالح السكان و هويتهم ولغتهم وعاداتهم و تقاليدهم كما نرا في برشلونه، الباسك، مايوركا و الاندلس...
ونرا هذا النظام السياسي يتكرر في المانيا، الولايات الامريكيه، كندا وغيرها....
هذا لا يعني ان اسبانيا و المانيا وكندا هي دول مقسمة ضعيفة، ولكنه يعني ان هذه الشعوب وجدت طريقة كي تتعايش معا بطريقة اتحاديه تحافظ على خصوصية، مصالح و تطلعات كل مكونات واطياف هذا الاتحاد حيث لا يسلم احد رقبته لاحد ولكن كل يسهر على حماية مصالحه في اطار الكل، وما مصلحة الكل الا مصلحة كل اجزائه ....
اعتقد انه بعد ان عاث هؤلاء الحكام والملوك في بنية المجتمعات العربية طوال هذه الفترات المديدة يجب علينا ان ننظر بنظرة التفهم لخوف هذا من ذاك و نتفهم الحاجة الملحة لتحقيق الحد الادنى من الامن والامان لكل اطياف المجتمع و نتحرر من فكرة الحكم المطلق المركز في مدينة، قصر وشخص ونتجه لمنح حرية وسلطه لكل الوان المجتمع كي تدير حياتها ومواردها في اطار حكم ذاتي يجمع يقوي الكل عن طريق تقوية اجزاءه.....
نجح صدام في حكم العراق كل هذه الفتره، لماذا لم تكن هناك هذه الصراعات والنزاعات بل وحتى التقاتل بين اطياف الشعب العراقي كالسنه والشيعة والاكراد.....
وماهي الاسباب والجذور التي تشعل وتغذي نار الفتنة والصراع الدامي بين اعراق و طوائف هذا الشعب؟
لماذا تتحارب وتتنازع القبائل الليبية؟ والتي كانت بالامس القريب جزئ لايتجزأ من نسيج جماهيرية القذافي وعائلته وقبيلته واتباعه وخدمه؟ هل كان القذافي عبقريا و قويا لهذه الدرجة كي يستطيع ان يفرض السلام والتفاهم والوئام بين اطياف شعبه طوال اربعين سنة او يزيد؟
هل يجب ان نرفع القبعة احتراملا لهؤلاء و امثالهم الكثر في بلادنا العربية؟ هل يجب ان تبكيهم شعوبهم وتتحسر على ايام القذافي و صدام؟
لماذا مرا كل هذا اللغط واتنازع والتصارع والتخوين بين اطياف المجتمع المصري؟ هذه النزاعات الجديدة على هذا المجتمع المتجانس بدرجة عالية ؟
هل كان عبد الناصر والسادات ومبارك عباقرة، ليستطيعو حكم كل هذه الاطياف
والتيارات شدية الختلاف و شديدة الاستقطاب طوال الستين عاما الماضيه بدون كل هذه التوترات والتناحرات التي نراها كل يوم بعد سقوط مبارك؟
هل الشعوب العربية لا تتقبل الحرية فعلا وعلينا قبول ذلك ونبحث لنا عن دكتاتور، سلطان، ملك او رأيس حيث لافرق بينهما عند العرب....؟ هل هذا هو الاصلح للبلاد والعباد؟
لعل هذا ما لا تخطئه عين من ينظر الى الاوضاع في بلدان الربيع العربي....
ولعل هذا ما نراه ايضا في سعي الشعب الصحراوي للاستقلال عن المملكة المغربية؟ الم تكن مبايعة الاجداد للملك امرا بديهي مسلم به من قبل؟ فما بال الاحفاد؟
وفي اليمن لا يختلف الحال كثيرا واعتقد انه مؤهل للتصاعد....بعد رحيل صالح المفاجئ بعد ثلاثين عاما قضاها على رأس الدولة مسيطرا على اوصالها محاربا وموحدا ....
هل نحن ذاهبون الاحرب اهلية في سوريا؟ هل يجب ان نشكر عائلة الاسد و نعتذر لهم كي يبقو في سدة الحكم والطغيان سنينا مديدة؟ وذلك حتى نحافظ على وحدة الشعب السوري ولا يتشرذم هذا القطر العربي العريق و ولا يتناحر ابنائه؟
اجد نفسي اكرر نفس السؤال حول قدرة هؤلاء الحكام في تهدئة كل اطياف واعراق هذه الشعوب والمحافظة على وحدة هذه الاقطار طوال هذه الفترات الطويلة....
ولكن كيف كانت البداية؟ هل واجه القذافي، صدام، او الاسد هذه الصراعات في بداية حكمه وتغلب عليها؟ هل استطاع بقوته وحكمته وحنكته ان يطفئ نيران الفتن ويوحد الصفوف....
لو كان الامر كذلك فلعلنا نتفهم ان تعود الامور الى سابق عهدها بغيابهم ولكني لم اجد ما يدل على ذلك، لا دليل ان اطياف مجتمعاتنا العربية تناحرت فيما بينها على هذا النحو قبل او اثناء حكم هؤلاء.... اذا لافضل لهم في اخماد هذه النيران .... لانها لم تكن موجودة من قبل....
اذا ماذا حدث اثناء حكم هؤلاء لينقلب الحال باختفائهم عن الساحة؟
هل هو نتاج لسياساتهم المستمرة والتي تتلخص تحت عنوان فرق تسد؟
كانو يزرعون الفتن، يظلمون طائفة و يكرمون اخرى، ينزعون الحق من صاحبه ويعطوه لغيره حسب مصالحهم ومايخدم استمراريتهم في الحكم ، وكل ذلك لشراء ولاأت وصنع تحالفات وتشويه مكونات المجتمع وتخريب بنيته فما عاد شيخ القبيلة شيخها ولا زعيم طائفة يمثلها ولا شيخ دين له كلمة بين اتباعه.... كلهم صور موضوعة من قبل الحكام كي يقهرو كل اطياف المجتمع.... مما انتج تشوهات خلقية ادت الى غياب الفكر والحكمة والخبرة .....
كل هذه الطوائف والاعراق والاقليات لم تكن يوما تتوجس، تخاف او تعارض الحكم المركزي الشمولي في ليبيا، العراق، سوريا، المغرب، اليمن او مصرولكن كنتيجه للظلم والاطهاد والترهيب والحرمان من الحقوق خلال حقبة هؤلاء الطغاة نجدهم نجد مكونات المجتمع لاتثق في بعضها البعض ولا اي حاكم خوفا من استنساخ الماضي الاليم فتجد نفسها مرة اخرى قابعة تحت بطش اي جهة فتتكرر الماساة.
ولعله رد فعل طبيعي ومنطقي وله امثلة في كل بقاع الارض مثلا في اسبانيا نجد الاختلاف العرقي واللغوي بين سكان الشمال والجنوب، الشرق والغرب، وسكان الجزر الاسبانية البعيده عن يابستها.....
ورغم هذه الاختلافات نجد هذه الاعراق منسجمة منطوية تحت مظلة العرش الاسباني والحكومة الاسبانية المركزيه...... لماذا؟ في ظني ان السبب هو تخلي السلطة المركزية عن الكثير من الصلاحيات لصالح الحكومات المحلية، يتمتع كل جزئ بنوع من الحكم الذاتي الذي يطمئن هذه الاعراق ويمكنها من ادارة مواردها المحلية والاستفادة منها و الدفاع عن مصالح السكان و هويتهم ولغتهم وعاداتهم و تقاليدهم كما نرا في برشلونه، الباسك، مايوركا و الاندلس...
ونرا هذا النظام السياسي يتكرر في المانيا، الولايات الامريكيه، كندا وغيرها....
هذا لا يعني ان اسبانيا و المانيا وكندا هي دول مقسمة ضعيفة، ولكنه يعني ان هذه الشعوب وجدت طريقة كي تتعايش معا بطريقة اتحاديه تحافظ على خصوصية، مصالح و تطلعات كل مكونات واطياف هذا الاتحاد حيث لا يسلم احد رقبته لاحد ولكن كل يسهر على حماية مصالحه في اطار الكل، وما مصلحة الكل الا مصلحة كل اجزائه ....
اعتقد انه بعد ان عاث هؤلاء الحكام والملوك في بنية المجتمعات العربية طوال هذه الفترات المديدة يجب علينا ان ننظر بنظرة التفهم لخوف هذا من ذاك و نتفهم الحاجة الملحة لتحقيق الحد الادنى من الامن والامان لكل اطياف المجتمع و نتحرر من فكرة الحكم المطلق المركز في مدينة، قصر وشخص ونتجه لمنح حرية وسلطه لكل الوان المجتمع كي تدير حياتها ومواردها في اطار حكم ذاتي يجمع يقوي الكل عن طريق تقوية اجزاءه.....
الأربعاء، ١٢ سبتمبر ٢٠١٢
الأحد، ٩ سبتمبر ٢٠١٢
الأربعاء، ٥ سبتمبر ٢٠١٢
يرد على د. جلال أمين الديمقراطية ليست كافية .. ولكنها ليست أكذوبة
نشر فى :
الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 8:00 ص
آخر تحديث : الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 8:00 ص
آخر تحديث : الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 8:00 ص
قرأت مقالا شيقا كما هى العادة للدكتور جلال أمين. والدكتور
جلال أمين مفكر كبير وأحد أهم رموز العقل المصرى وقد علم أجيالا من الشباب
سواء فى جامعة عين شمس أو الجامعة الأمريكية، وهو يحظى بشعبية هائلة وحب
وتقدير من كل تلاميذه وقرائه. وفضلا عن هذا وذاك فهو صديق عزيز وقديم،
تربطنا صداقة امتدت لما يقرب من نصف قرن، بدأت فى البعثة التعليمية فى
الخارج واستمرت وتطورت بعد عودتنا إلى أرض الوطن، وهى صداقة لا تقوم على
المعزة والود فقط بل تنطوى على قدر هائل من الاحترام والتقدير.
وبعد هذه المقدمة الطويلة أعود إلى لب الموضوع. قرأت فى جريدة «الشروق» فى عدد الجمعة 31 أغسطس مقالا للدكتور أمين بعنوان «أكذوبة الديمقراطية»، وكالعادة وجدت أننى أتفق فى معظم ما ورد فى المقال من مقدمات، لكى أنتهى بالاختلاف مع ما انتهى إليه من نتيجة.
وأبدأ بتحديد موقفى وفهمى لوضع الإنسان فى الحياة. فأنا أعتقد لن يوجد مجتمع بلا مشاكل وحيث يشعر الجميع بالراحة والسعادة، فهذا حلم أو وهم. بل أننى أذهب إلى أبعد من ذلك. وأعتقد أن مثل هذا الوضع لو تحقق لأصبح أقرب إلى الكابوس والنقمة منه إلى النعمة. فإنسان سعيد وفى راحة كاملة ولا شكوى له من جار أو حاكم، هو غالبا إنسان بلا طموح وآمال. فمشكلة الإنسان ومحنته وأيضا عظمته، هى أن طموحه لا حدود له، وأنه إذا حقق أملا فإنه ما يلبث أن يتطلع إلى أمل جديد. وهذه نعمة من الله على خلقه، فالإنسان ناقص بطبيعته يسعى إلى «الكمال»، ولكن «الكمال» ليس محطة ثابتة يمكن الوصول إليها، وكلما اقترب منها اتسع أفقه ليكتشف آمالا جديدة تجاوز أحلامه السابقة. فرحلة التقدم هى مسيرة بلا نهاية. وإذا وصل الإنسان إلى محطة الوصول التى حققت كل آماله وتطلعاته فلن يكون أمامه سوى الموت. فالموت هو الخاتمة الوحيدة للآمال المحققة. والتقدم لا يعنى إلغاء المشاكل، بقدر ما يعنى الارتقاء بها إلى مستوى أعلى. ففى المجتمعات البدائية والوحشية كان هدف الإنسان هو مجرد البقاء حيا إزاء الوحوش وغارات القبائل الأخرى. ومع ظهور المجتمعات المنظمة تمتع الإنسان بقدر أكبر من الأمن وإن ظل لسلطة شيخ القبيلة أو الكاهن سيطرة شبه كاملة عليه. ومع ظهور الدولة تمتع الفرد بقدر أكبر من مساحة الحرية وإن ظل احيانا عبدا بلا حقوق. ومع تحرير العبيد اكتسب الإنسان حرية وإن ظل مكبلا اقتصاديا وسياسيا. وهكذا، فالتقدم يزيح عقبات لنكتشف آفاقا جديدة نسعى إليها.
يشير الدكتور جلال إلى اختفاء الرؤساء الذين لهم احترام وكاريزما مثل ونستون تشرشل وديجول أو كنيدى، ووصول رجال عاديين إلى سدة الحكم وبعضهم لهم «من صفات الممثلين أكثر من صفات الزعامة». ولا أدرى إذا كان الدكتور أمين يعتبر هذا شيئا إيجابيا أم سلبيا، وهو من حدثنا عن عصر «الرجل العادى». أليس هذا تقدما بعد أن سقطت عن الحكام هالة القداسة الكاذبة أو الزائفة. وهل يعتقد أن «هنرى الثامن فى إنجلترا»، أو «لويس الرابع عشر» فى فرنسا، كانا من العظماء أصحاب الكاريزما؟ وكلاهما عرض بلاده لحروب طائلة، وربما الأقرب إلى الحقيقة هو أنه كان لديهم «من صفات الممثلين أكثر من صفات الزعامة الحقيقية»، فقد عرضوا بلادهم والقارة الأوروبية لآلام شديدة استمرت قرونا لمجرد أهواء أو نزوات شخصية. أننى اعتقد أنه من محاسن الديمقراطية أن خلصتنا من تقديس الزعماء، فهم فى نهاية الأمر مواطنون عاديون فيهم الصالح والطالح.
ويركز الدكتور أمين على ما ظهر فى العصر الحديث من مشاكل جديدة مع ظهور ظاهرة «الشركات متعددة الجنسيات» وظاهرة «المجتمع الاستهلاكى». وهى ظواهر خطيرة وتستحق المواجهة. ولولا الديمقراطية وحرية الرأى ووصول عامة الناس إلى أعلى المناصب لما أمكن كشف وتعرية ممارسات هذه الشركات وإظهار مخاطر الدعاية والإعلام. ومن هنا لم تقتصر المطالبات على الحرية السياسية وإجراء الانتخابات، وإنما أضيف إليها المطالبة بالعدالة الاجتماعية وصيانة البيئة ومستقبل الأجيال القادمة وحماية السلم العالمى.
حقا، الحديث عن الديمقراطية وأهمية الانتخابات والاعتراف بالحريات العامة لا يكفى وحده لمواجهة كل مشاكل العصر الحديث ومنها العولمة ومظاهر المجتمع الاستهلاكى. ولكن الديمقراطية السياسية، ليست علاجا لجميع الأمراض، ولكنها على الأقل علاج ضد الاستبداد وإهدار حقوق الفرد وحرياته، وهى أمراض خطيرة فى ذاتها بل إنها خطوة على الطريق لمواجهة مخاطر الشركات متعددة الجنسية وانتشار مظاهر المجتمع الاستهلاكى والمقزز أحيانا. والمطالبة بالديمقراطية والعمل على تحقيقها لا يعنى الرضوخ للشركات متعددة الجنسية أو اعتناق مظاهر مجمع الاستهلاك.
يؤكد الدكتور أمين فى ختام حديثه بأن العائق الأساسى أمام الديمقراطية ليس الحاكم القاهر المستبد وليس هو الفقر والجهل وانما هو سطوة الشركات العملاقة ونمو ظاهرة المجتمع الاستهلاكى. ويبدو لى أن الحاكم القاهر المستبد والفقر والجهل هما اهم وسائل الشركات العملاقة ومجتمع الاستهلاك، فضلا عن أنهما اشباح هائمة وليس اهدافا محددة.
الديمقراطية علاج لأمراض الاستبداد وإهدار الحقوق والحريات وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة فى حماية مصالح الوطن، ومن بينها التحذير من مخاطر الشركات متعددة الجنسيات ومجمع الاستهلاك. الديمقراطية السياسية وحدها قد تكون غير كافية.. ولكنها ضرورية، وقطعا ليست أكذوبة. والله أعلم.
وبعد هذه المقدمة الطويلة أعود إلى لب الموضوع. قرأت فى جريدة «الشروق» فى عدد الجمعة 31 أغسطس مقالا للدكتور أمين بعنوان «أكذوبة الديمقراطية»، وكالعادة وجدت أننى أتفق فى معظم ما ورد فى المقال من مقدمات، لكى أنتهى بالاختلاف مع ما انتهى إليه من نتيجة.
وأبدأ بتحديد موقفى وفهمى لوضع الإنسان فى الحياة. فأنا أعتقد لن يوجد مجتمع بلا مشاكل وحيث يشعر الجميع بالراحة والسعادة، فهذا حلم أو وهم. بل أننى أذهب إلى أبعد من ذلك. وأعتقد أن مثل هذا الوضع لو تحقق لأصبح أقرب إلى الكابوس والنقمة منه إلى النعمة. فإنسان سعيد وفى راحة كاملة ولا شكوى له من جار أو حاكم، هو غالبا إنسان بلا طموح وآمال. فمشكلة الإنسان ومحنته وأيضا عظمته، هى أن طموحه لا حدود له، وأنه إذا حقق أملا فإنه ما يلبث أن يتطلع إلى أمل جديد. وهذه نعمة من الله على خلقه، فالإنسان ناقص بطبيعته يسعى إلى «الكمال»، ولكن «الكمال» ليس محطة ثابتة يمكن الوصول إليها، وكلما اقترب منها اتسع أفقه ليكتشف آمالا جديدة تجاوز أحلامه السابقة. فرحلة التقدم هى مسيرة بلا نهاية. وإذا وصل الإنسان إلى محطة الوصول التى حققت كل آماله وتطلعاته فلن يكون أمامه سوى الموت. فالموت هو الخاتمة الوحيدة للآمال المحققة. والتقدم لا يعنى إلغاء المشاكل، بقدر ما يعنى الارتقاء بها إلى مستوى أعلى. ففى المجتمعات البدائية والوحشية كان هدف الإنسان هو مجرد البقاء حيا إزاء الوحوش وغارات القبائل الأخرى. ومع ظهور المجتمعات المنظمة تمتع الإنسان بقدر أكبر من الأمن وإن ظل لسلطة شيخ القبيلة أو الكاهن سيطرة شبه كاملة عليه. ومع ظهور الدولة تمتع الفرد بقدر أكبر من مساحة الحرية وإن ظل احيانا عبدا بلا حقوق. ومع تحرير العبيد اكتسب الإنسان حرية وإن ظل مكبلا اقتصاديا وسياسيا. وهكذا، فالتقدم يزيح عقبات لنكتشف آفاقا جديدة نسعى إليها.
يشير الدكتور جلال إلى اختفاء الرؤساء الذين لهم احترام وكاريزما مثل ونستون تشرشل وديجول أو كنيدى، ووصول رجال عاديين إلى سدة الحكم وبعضهم لهم «من صفات الممثلين أكثر من صفات الزعامة». ولا أدرى إذا كان الدكتور أمين يعتبر هذا شيئا إيجابيا أم سلبيا، وهو من حدثنا عن عصر «الرجل العادى». أليس هذا تقدما بعد أن سقطت عن الحكام هالة القداسة الكاذبة أو الزائفة. وهل يعتقد أن «هنرى الثامن فى إنجلترا»، أو «لويس الرابع عشر» فى فرنسا، كانا من العظماء أصحاب الكاريزما؟ وكلاهما عرض بلاده لحروب طائلة، وربما الأقرب إلى الحقيقة هو أنه كان لديهم «من صفات الممثلين أكثر من صفات الزعامة الحقيقية»، فقد عرضوا بلادهم والقارة الأوروبية لآلام شديدة استمرت قرونا لمجرد أهواء أو نزوات شخصية. أننى اعتقد أنه من محاسن الديمقراطية أن خلصتنا من تقديس الزعماء، فهم فى نهاية الأمر مواطنون عاديون فيهم الصالح والطالح.
ويركز الدكتور أمين على ما ظهر فى العصر الحديث من مشاكل جديدة مع ظهور ظاهرة «الشركات متعددة الجنسيات» وظاهرة «المجتمع الاستهلاكى». وهى ظواهر خطيرة وتستحق المواجهة. ولولا الديمقراطية وحرية الرأى ووصول عامة الناس إلى أعلى المناصب لما أمكن كشف وتعرية ممارسات هذه الشركات وإظهار مخاطر الدعاية والإعلام. ومن هنا لم تقتصر المطالبات على الحرية السياسية وإجراء الانتخابات، وإنما أضيف إليها المطالبة بالعدالة الاجتماعية وصيانة البيئة ومستقبل الأجيال القادمة وحماية السلم العالمى.
حقا، الحديث عن الديمقراطية وأهمية الانتخابات والاعتراف بالحريات العامة لا يكفى وحده لمواجهة كل مشاكل العصر الحديث ومنها العولمة ومظاهر المجتمع الاستهلاكى. ولكن الديمقراطية السياسية، ليست علاجا لجميع الأمراض، ولكنها على الأقل علاج ضد الاستبداد وإهدار حقوق الفرد وحرياته، وهى أمراض خطيرة فى ذاتها بل إنها خطوة على الطريق لمواجهة مخاطر الشركات متعددة الجنسية وانتشار مظاهر المجتمع الاستهلاكى والمقزز أحيانا. والمطالبة بالديمقراطية والعمل على تحقيقها لا يعنى الرضوخ للشركات متعددة الجنسية أو اعتناق مظاهر مجمع الاستهلاك.
يؤكد الدكتور أمين فى ختام حديثه بأن العائق الأساسى أمام الديمقراطية ليس الحاكم القاهر المستبد وليس هو الفقر والجهل وانما هو سطوة الشركات العملاقة ونمو ظاهرة المجتمع الاستهلاكى. ويبدو لى أن الحاكم القاهر المستبد والفقر والجهل هما اهم وسائل الشركات العملاقة ومجتمع الاستهلاك، فضلا عن أنهما اشباح هائمة وليس اهدافا محددة.
الديمقراطية علاج لأمراض الاستبداد وإهدار الحقوق والحريات وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة فى حماية مصالح الوطن، ومن بينها التحذير من مخاطر الشركات متعددة الجنسيات ومجمع الاستهلاك. الديمقراطية السياسية وحدها قد تكون غير كافية.. ولكنها ضرورية، وقطعا ليست أكذوبة. والله أعلم.
الثلاثاء، ٤ سبتمبر ٢٠١٢
نشر فى :
الجمعة 31 أغسطس 2012 - 8:55 ص
آخر تحديث : الجمعة 31 أغسطس 2012 - 8:55 ص
آخر تحديث : الجمعة 31 أغسطس 2012 - 8:55 ص
كم تغيرت الدنيا منذ كنا فى صبانا ومطلع شبابنا نتعلم ألف باء
السياسة. كان هذا فى منتصف القرن الماضى، عندما اعتنقنا أفكارا عن الحرية
والديمقراطية تبدو الآن ساذجة للغاية. لم يكن السبب مجرد صغر السن وقلة
الدراية والتجربة، بل كان من الأسباب أن العالم كان مختلفا جدا عنه الآن،
فلم تعد الأفكار المقبولة (بل والصحيحة) حينئذ، مقبولة أو صحيحة اليوم.
كنا نعتقد (وهكذا قال لنا الكتّاب والمحلّلون السياسيون) أن العقبات
الأساسية أمام تحقيق الديمقراطية تتلخص فى حاكم مستبد، يفرض رأيه بالقوة،
ويمنع أى معارضة، ويودع معارضيه السجون، إلى جانب شيوع درجة عالية من
الفقر، تجعل الناس يقبلون الاستبداد فى سبيل الحصول على لقمة العيش، ودرجة
عالية من الجهل، تجعل الناس فريسة سهلة لأكاذيب الحكام، بل وتفقدهم القدرة
على التمييز بين ما يحقق مصلحتهم وما لا يحققها. كان نظام الحكم فى ظل
الخلافة العثمانية حتى نهاية القرن التاسع عشر، أو فى ظل محمد على فى مصر،
فى النصف الأول من ذلك القرن، مثالين واضحين للمعوقات الأساسية
للديمقراطية: حاكم مستبد وفقر وجهل شائعان.
مع حلول القرن العشرين أضيفت إلى عقبات الديمقراطية استخدام وسائل
الإعلام فى خداع الناس وتضليل الناخبين. وكانت الأمثلة الصارخة على ذلك حتى
منتصف القرن، استخدام جهاز جبار للدعاية من جانب ستالين فى روسيا
السوفييتية، ومن جانب هتلر فى ألمانيا النازية، وموسولينى فى إيطاليا
الفاشية. هكذا أصبح «غسيل المخ» أحد المعوقات الأساسية للديمقراطية،
بالإضافة إلى ميل الحاكم للاستبداد، وإلى الفقر والجهل. ومن ثم أصبح من
المتصور (بل ورأينا بأعيننا) كيف تقع شعوب متقدمة اقتصاديا وثقافيا ضحية
لنظم غير ديمقراطية.
هكذا كان الحال عندما بدأ وعينا يتفتح على ما يحدث فى العالم. نعم، كنا
فى مصر ندرك أن هناك عاملا آخر مهما لابد أن يضاف إلى هذه العوامل، وهو
الاحتلال الأجنبى، إذ كيف يمكن أن نتصور أن يسمح المحتل الأجنبى لشعب
مستعمر بأن يحظى بحكومة ديمقراطية تعبر عن آمال الناس التى لابد أن تتعارض
جذريا مع أهداف الاحتلال؟ ولكن من الواضح أن هذا لم يفت فى عضدنا، بل بدأنا
نمارس مختلف طقوس الحكم الديمقراطى بمنتهى الجدية، منذ وضعنا دستور 1923،
وحتى ثورة 1952، رغم خضوعنا طوال هذا الوقت للاحتلال البريطانى، فضلا عن
شيوع الفقر والجهل بين ثلاثة أرباع السكان.
•••
كم تغيرت الدنيا منذ ذلك الوقت، فلم تعد لا شخصية الحاكم المستبد، ولا
الفقر أو الجهل، ولا حتى الاحتلال الأجنبى معوقات شائعة فى طريق
الديمقراطية. ومع هذا، فإن الديمقراطية تبدو وكأنها كالسراب، ــ تبتعد عنا
كلما ظننا أننا نقترب منه، ليس فى بلادنا فقط بل وأيضا فى تلك البلاد التى
ابتدعت الديمقراطية، ونطمع فى تقليدها. إن القول الذى يتردد بين حين وآخر
بأننا نعيش فى عصر ازدهار الديمقراطية، هو أقرب إلى الأكذوبة، بل هو أكذوبة
كبيرة يصدقها للأسف عدد كبير من الناس فى بلادنا وبلادهم على السواء.
•••
فلنأخذ أولا تلك البلاد «العريقة ديمقراطيا». نعم، لقد اختفت أو كادت
تختفى تماما أمثلة الحاكم المستبد الذى تنحنى له الجباه، وينصاع الناس
لأوامره، بل وكادت تختفى أيضا أمثلة الرؤساء الذين يجمع الناس على احترامهم
وحبهم بما لهم من كاريزما وجاذبية شخصية. ففى نصف القرن الماضى لم تعرف
بريطانيا مثلا سياسيا له مواهب وجاذبية ونستون تشرشل، ولا فرنسا رئيسا مثل
شارل ديجول، ولا عرفت الولايات المتحدة رئيسا مثل جون كينيدى (بل ويلاحظ أن
اختفاء أمثال هؤلاء الرؤساء والقادة ليس مصادفة بل له علاقة وثيقة بتطورات
أخرى سوف أذكرها بعد قليل). لقد عرفت هذه البلاد وغيرها رؤساء لديهم من
صفات الممثلين أكثر من صفات الزعامة الحقيقية، من أمثال تونى بلير فى
إنجلترا، وجورج بوش فى أمريكا، وبيرلسكونى فى إيطاليا.
يبدو إذن وكأن وجود حاكم قوى ومستبد كعقبة فى وجه الديمقراطية ظاهرة
آخذة فى الزوال. ولكن العقبتين الأخريين (الفقر والجهل) قد تراجعتا بشدة
هما أيضا، خلال المائة عام الماضية، وعلى الأخص خلال نصف القرن الماضى، ومع
ما حدث من ارتفاع فى مستوى المعيشة وانتشار التعليم. فما الذى حدث إذن
خلال الخمسين عاما الماضية، ليجعل المجالس النيابية فى هذه البلاد أقل
أهمية بكثير مما كانت، وأعضاءها يفقدون الكثير مما كانوا يحظون به من
احترام، ويجعل نسبة المشتركين فى التصويت فى الانتخابات تنخفض انخفاضا
شديدا، ويزيد من جرأة الحكومات على اتخاذ قرارات لا تحظى بتأييد شعبى
والاشتراك فى حروب لا تحظى برضا الرأى العام، بل ويعارضها ويتظاهر ضدها
معظم الناس؟
فى البلاد الأقل عراقة فى الديمقراطية حدثت أشياء مماثلة. ففى روسيا لم
يعد من السهل تصور ظهور حاكم له ما كان لجوزيف ستالين من استبداد وانفراد
بالرأى، ولا أن يظهر فى الصين حاكم له صفات مثل ما كان لماوتسى تونج، لقد
بعث سقوط الشيوعية فى روسيا، وما أصابها من ضعف فى الصين، آمالا كبارا فى
أن يحل بالدولتين عصر جديد من الحرية السياسية، ولكن الحقيقة أن الذى ينخر
بشدة فى عظام الديمقراطية فى الدول العريقة فى الديمقراطية فى الغرب، قد
بدأ ينخر أيضا فى عظام النظام السياسى فى الشرق، حتى بعد سقوط النظام
الشيوعى الصارم.
أما بلادنا نحن، فقد كان من المحتم أن تتأثر بما يحدث خارج حدودنا، مع بعض الاختلافات الناتجة عن طول عهدنا بالاستعمار والتبعية.
لقد عرفنا حتى وقت قريب ظاهرة الحاكم المستبد، حتى بعد أن كادت الظاهرة
أن تختفى فى الغرب. ولكننا منذ السبعينيات، عرفنا أيضا حكاما لهم صفات أقرب
إلى صفات الممثلين منها إلى صفات الزعماء والقادة. ومع ذلك فقد استمرت
محنة الديمقراطية عندنا، لعدة أسباب منها طبعا استمرار ظاهرتى الفقر
والجهل، ومنها استمرار تبعيتنا لقوى خارجية، ولكن هناك سببا ثالثا هو الذى
أريد أن أركز عليه فيما بقى من هذا المقال، وهو نفس السبب المسئول عن محنة
الديمقراطية فى العالم ككل.
•••
خلال الأربعين عاما الماضية نمت ظاهرتان مهمتان، بينهما صلة وثيقة، وكان
لهما تأثير بالغ على الحياة الاجتماعية والسياسية فى البلاد المتقدمة
صناعيا، فى البداية، ثم انتشر تأثيرها فى منطقة بعد أخرى من العالم حتى شمل
العالم كله، وكان من بين أثارهما إلحاق ضرر بالغ بالديمقراطية.
فمنذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين، التفتت الأنظار بشدة إلى ظاهرة
أطلق عليها اسم «الشركات متعددة الجنسيات»، وهى الشركات العملاقة التى
يمتد نشاطها فى الإنتاج والتسويق، إلى مختلف أطراف الأرض، ومن ثم يصعب
نسبتها إلى دولة معينة أكثر من نسبتها إلى أخرى، والتفتت الأنظار إلى نموها
السريع وضخامة حجم نشاطها حتى فاق حجم بعضها حجم إنتاج دول بأكملها.
لم تكن ظاهرة الشركات العملاقة جديدة على العالم. فشركة بريطانية كشركة
الهند الشرقية يعود نشاطها فى خارج حدود بريطانيا إلى أكثر من ثلاثة قرون.
ولكن الأمثلة كانت محدودة فزادت وتضاعفت. وكانت الشركة تخضع للدولة الأم
التى نشأت فيها وتلتزم بسياستها، فأصبحت تتحدى حكومة دولة المنشأ وتتجاهل
المصلحة القومية. بدأ الكلام إذن يكثر عن تضاؤل سلطان الدولة فى مواجهة
سلطان الشركات العملاقة، وعن خضوع السياسة، أكثر من أى وقت مضى، لإدارة هذه
الشركات بدلا من العكس. وأصبح الدبلوماسيون المنتشرون فى الدول المختلفة،
يعتبرون من أهم مهامهم، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، تحقيق مصالح هذه
الشركات. وأصبح من الممكن أن نقول الشىء نفسه عن الهيئات الدولية. الدولة
تضعف والشركات تقوى، والولاء للأمة يضعف فى مواجهة تيار العولمة. فما الذى
يمكن أن نتوقع أن يحدث للديمقراطية السياسية؟ البرلمانات تُنتخب، والأحزاب
تتنافس، ولكن الحقيقة أن محادثات خفية تجرى بين السياسيين وممثلى الشركات
(سواء كان ممثلو هذه الشركات سياسيين أيضا أو لم يكونوا)، فلا تُلقى هذه
المحادثات بالا للمناقشات البرلمانية، وتنتهى بقرارات لم يحددها أى حزب
ابتداء، بل أصبحت هى التى تحدد اتجاهات الأحزاب (بما فى ذلك قرارات بشن حرب
لصالح هذه الشركات). شعر الناس بذلك وإن لم يعترف صراحة به فأخذت نسبة
الاشتراك فى التصويت فى الانتخابات تتضاءل، وفقدت المناقشات البرلمانية
والخلافات السياسية بين الأحزاب الكثير من أهميتها، بل لقد تضاءلت
الاختلافات بين الأحزاب المتنافسة (لنفس الأسباب)، وتحولت هذه الاختلافات،
أكثر فأكثر، إلى اختلافات تافهة، كاختلاف درجة جاذبية رؤساء الأحزاب، أو
الاختلاف حول قضايا بعيدة الصلة بالسياسة، كالموقف مثلا من إباحة أو حظر
الإجهاض، أو إباحة أو حظر الزواج المثلى...الخ.
اقترنت ظاهرة نمو الشركات العملاقة، بارتفاع مستويات الدخل، والتقدم
السريع فى وسائل الاتصال، وتخزين ونقل المعلومات، فنمت أيضا ظاهرة المجتمع
الاستهلاكى، حيث يحل هدف زيادة الاستهلاك محل أى هدف آخر، سياسى أو اجتماعى
أو أخلاقى. وظاهرة المجتمع الاستهلاكى هى صنو ظاهرة الشركات العملاقة
وتوأمها. فنمو هذه الشركات يتطلب العمل على زيادة الميل إلى الاستهلاك،
وتراجع أهمية القضايا السياسية يضاعف أيضا من قوة هذا الميل إلى الاستهلاك،
ولكن نمو ظاهرة المجتمع الاستهلاكى يزيد أيضا من سطوة الشركات العملاقة
ويسهِّل عليها فرض سلطانها على السياسيين.
استمر بالطبع الزعم بأن الشعب هو السيد، وأن القرارات الأساسية تُتخذ
بجميع الأصوات، وان الفرد هو الذى يختار حكامه، ويفرض إرادته بكل حرية فى
ميدان السياسة، كما أنه يختار بمطلق الحرية بين السلع المعروضة عليه فيختار
أفضلها. ولكن الحقيقة أن هذه الحرية السياسية أكذوبة كبيرة، كما أن حرية
المستهلك فى اختيار أكثر السلع تحقيقا لمصلحته، فى ظل وسائل الدعاية
والإعلام المختلفة، هى أكذوبة كبيرة أخرى.
•••
لقد انتقلت هذه التطورات إلى بلادنا بدرجات مختلفة، منذ بدأ تطبيق
السياسة المعروفة باسم الانفتاح الاقتصادى (والتى لم تنتهجها دول العالم
الثالث بمطلق حريتها بل فُرضت عليها فرضا)، وأصبح اتخاذ القرارات الأساسية
فى بلادنا يخضع، أكثر فأكثر، لمصالح وإرادة الشركات العملاقة، تماما مثلما
حدث فى الدول «العريقة ديمقراطيا»، مع اختلاف فى درجة الخضوع بين دولة
وأخرى، ولكن المسيرة هى فى كل مكان فى نفس الاتجاه.
هكذا أصبح العائق الأساسى أمام الديمقراطية السياسية فى بلادنا، مثلما
هو فى بلادهم، ليس الحاكم القاهر المستبد، (رغم ظهوره بين حين وآخر)، وليس
هو الفقر أو الجهل (رغم استمرارهما فى كثير من البلاد)، وإنما أصبح العائق
الأساسى هو سطوة الشركات العملاقة التى يساعدها فى ترسيخ هذه السطوة، نمو
ظاهرة المجتمع الاستهلاكى.
نحن لا نعيش للأسف فى عصر ازدهار الديمقراطية. كل ما حدث هو حلول مستبد جديد محل مستبد قديم.
الأحد، ٢ سبتمبر ٢٠١٢
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)